- علام تضحكين الآن؟
كانت (حنان) تصيح بغضب بينما (شيماء) تضحك بشدة على موقف صديقتها الذي لا تحسد عليه.. فضربتها (حنان) في كتفها وقالت:
- من يراك الآن لا يمكن أن يصدق أنك فسخت خطبتك بالأمس..
ثم تابعت:
- لقد أخطأت عندما أخبرتك بهذا الأمر
وأمسكت حجابها لتلبسه كي تذهب فأمسكت (شيماء) بيدها وهي تقول بعد أن توقفت عن الضحك بصعوبة:
- انتظري يا مجنونة..أريد أن أعرف ماذا ستفعلين؟
نظرت لها (حنان) بملل وقالت:
- وماذا سأفعل؟ لقد أخذ رقم هاتف أبي وهو من سيفعل ولست أنا
قالت (شيماء) بخبث:
- هل هو وسيم؟
نظرت لها (حنان) بغيظ وقالت:
- إن أعجبك فسأعطيك إياه على طبق من ذهب
ضحكت (شيماء) مرة أخرى وقالت:
- كنت أسمع عن هذه القصص من قبل ولكني لم أتخيل أن تحدث معك..
ثم تابعت:
- يبدوا أن الحجاب قد آتى ثماره معك
رفعت (حنان) أحد حاجبيها وقالت:
- ألم يكن الحجاب سيئا من قبل؟ ..ألم يكن هذا رأيك؟
هزت (شيماء) رأسها وقالت:
- لقد غيرت رأيي..فيبدوا أنه ليس سيئا بالكلية
- إذن..قد تغيرين رأيك أيضا وترتدينه
- أبدا..
واستطردت:
- ليس معنى أنه جيد أنني سأرتديه
تنهدت (حنان) وقبل أن تكمل كلامها رن هاتفها وقد كان والدها..نظرت الفتاتان لبعضهما البعض وقد اتسعت أعينهما على آخرهما،وأشارت (شيماء) إلى صديقتها كي ترد فردت وهي مرتبكة:
- السلام عليكم..نعم يا أبي أنا عند (شيماء) ..اتصل؟ ..
ونظرت لصديقتها التي ارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة وقالت:
- حسنا..حسنا يا أبي سآتي..لا تقلق سأنزل حالا
وأنهت المكالمة..
صرخت (شيماء) فرحا واحتضنت صديقتها التي كانت تشعر بالدوار بعض الشيء..
- ما بك؟ ألست سعيدة؟
ازدردت (حنان) لعابها وقالت:
- لم أتخيل أنه سيتصل؟ ..لقد ظننته يمزح..لكن يبدوا أن الأمر جدي
أمسكت (شيماء) الحجاب وأعطته لـ (حنان) وهي تقول:
- لا تتحدثي كثيرا،البسي واذهبي حالا ولا تنسي أن تخبريني بالتطورات
خرجت (حنان) من الغرفة لتجد والدة (شيماء) عائدة من الخارج..
- إلى أين يا (حنان) ؟ انتظري لتناول العشاء معنا
قالت (شيماء) والابتسامة لم تفارق وجهها:
- أي عشاء يا أمي.. (حنان) لديها ما هو أهم من العشاء..
التفتت إليها (حنان) ونظرت لها محذرة لكن (شيماء) تابعت:
- يبدوا أننا سنحضر حفل خطبة قريبا
تمالكت (حنان) نفسها كي لا تضرب الفتاة،فقالت (فريدة) :
- ألف مبروك يا (حنان) ..متى حدث ذلك؟
قبل أن تتكلم (حنان) قالت (شيماء) وهي تدفع صديقتها للخارج:
- سأخبرك أنا يا أمي لكن دعيها تذهب كي تستعد لملاقاة ذلك المحظوظ
* * *
فتحت (شيماء) حاسوبها لتمضي الوقت حتى تتصل صديقتها،فقد كانت على أحر من الجمر لمعرفة ما سيحدث..
فتحت بريدها الإلكتروني لتجد رسالة قلقة من (إيفان) ..كان يسألها فيها عن حالها لأنها لم تظهر لمدة طويلة..ابتسمت وأرسلت له أنها بخير..فوجدت منه ردا بعد دقائق يطلب منها أن يحادثها..ففتحت برنامج المحادثة ووضعت سماعات الرأس وأرسلت له الطلب..
" كيف حالك؟ "
ابتسمت لمرآه وقالت:
- بخير وأنت؟
" أنا..كنت قلقا عليكِ "
عدلت (شيماء) نظاراتها الطبية على قصبة أنفها،فلاحظ (إيفان) أنها لا ترتدي خاتم الخطبة فقال بحذر:
" يبدوا أنك كنت مشغولة في تجهيزات العرس "
اختفت الابتسامة من على شفتيها وقالت:
- لن يكون هناك أي عرس
" لماذا؟ "
- لقد انفصلت عن (سامح) "
انفرجت ملامح وجهه لكنه أخفى ذلك بسرعة وقال:
" وما السبب؟ "
ترددت في إخباره بما حدث،لكنها وجدت نفسها تقول:
- اكتشفت أنه كان يخونني مع فتاة أخرى..ولا أدري هل هناك أخريات أم لا
" منذ أن ضربك في ذلك اليوم،وأنا أشعر أنه ليس شخصا سويا.. "
ثم استطرد:
" وعندما أخبرتني أنك ستتزوجين تعجبت كيف سامحته بعدما ضربك بتلك الوحشية..لا بد أنك كنت تحبيه بشدة "
- كنتُ
قال متسائلا:
" كنتِ؟ "
قالت:
- أجل كنت..
وتابعت بمرارة:
- كنت حمقاء ولم أعمل حسابا لكرامتي عندما جرحني عدة مرات من قبل..لكن جرحه هذه المرة كان أكبر من حبي له
سكتت قليلا وخفضت رأسها كي لا يرى الدموع التي تجمعت في عينيها..فأشاح ببصره عنها وقال مغيرا مجرى الحديث:
" أتعرفين أنني نويت زيارة مصر قريبا؟ "
مسحت عينيها بسرعة ورفعت رأسها وقال وقد تهللت أساريرها:
- حقا؟ متى؟
" ربما في الصيف.. "
وتابع مبتسما:
" وقد أطلب منك أن تكوني مرشدة لي في تلك الزيارة "
ابتسمت بدورها وقالت:
- بكل سرور
* * *
انتهت (شيماء) من تناول طعام العشاء وهي تنظر في هاتفها كل دقيقة،فضحكت أمها وقالت:
- تبدين وكأنك أنت من ستقابل الرجل
قالت (شيماء) :
- أنت تعرفين مكانة (حنان) لدي،ولديك أنت أيضا،وحدث كهذا لا يمكن أن يمر بـ..
قطع كلامها رنين الهاتف فقفزت وردت بلهفة عندما رأت اسم (حنان) :
- أخبريني ماذا حدث؟
ضحكت (حنان) وقالت:
" أنا لم أسمع رنين هاتفك "
- دعك من هذا الكلام وأخبريني..هل أعجبك؟ ..ماذا قال والداك؟
" سأخبرك غدا عندما نلتقي "
صاحت فيها (شيماء) :
- لا تكوني سخيفة..إن لم تخبريني الآن فستجدينني أطرق بابك بعد لحظات
ضحكت (حنان) مرة أخرى وقالت:
" لن تصدقي ما حدث..لم يأت وحده بل جاء مع والديه..ولن تصدقي هذا أيضا.. "
قالت (شيماء) بلهفة:
- (حنان) ..لا تتلاعبي بأعصابي وأخبريني ما لديك دفعة واحدة
" لقد جاء ومعه الشبكة.. "
أصيبت (شيماء) بالذهول ثم انفجرت في الضحك..
" علام تضحكين يا حمقاء؟ "
- لقد سحرت الرجل يا (حنان) ..
ثم تابعت:
- وماذا بعد؟
" بالطبع تعجب والداي كما تعجبت أنا ولكنه قال له أن يمهلنا وقتا كي نفكر،فأخبره (فارس) أنـ .. "
قاطعتها (شيماء) :
- اسمه (فارس) ؟
" أجل.. (فارس) ،ولأني أعرف أنك ثرثارة فهو يعمل في مكتب هندسي وعمره تسعة وعشرون عاما..على كل فقد قال لأبي إنه سينتظر مكالمة منا لتحديد موعد الخطبة!! "
- ماذا فعلت للرجل يا (حنان) ؟ ..
ثم تابعت:
- لا بد أنك رأيت شكله جيدا هذه المرة..هل هو وسيم؟
ضحكت (حنان) وقالت:
" سترينه بنفسك "
- إذن أنت موافقة؟
قالت (حنان) وقد بدا الخجل في صوتها:
" لا أدري..لقد شعرت براحة نوعا ما..لكني سأصلي صلاة الاستخارة وأقرر بعدها "
* * *
كانت (شيماء) مع (حنان) في منزلها وهي تساعدها على ارتداء فستانها وتلح عليها أن تضع بعض المساحيق لكن الأخيرة كانت ترفض بشدة..
- لا تكوني سخيفة يا (حنان) ..هذا حفل خطبتك
- وهل هذا مبرر لأن أضع المساحيق أمام كل هؤلاء البشر؟ ..
واستطردت بضيق:
- وما هذا الذي ترتدينه..أقصد الذي لا ترتدينه؟
- لقد أصبحتِ معقدة أكثر من اللازم..
ثم تابعت وهي تتجه إلى باب الغرفة:
- سأخبر والدتك لعلها تقنعك
أمسكت (حنان) بذراعها وقالت تستجديها:
- أستحلفك بالله لا تفعلي ذلك..أنت لا تعرفين الشجار الذي كان بيننا بالأمس لأنها عرفت أنني لن أخلع الحجاب في الحفل..لا أريد أن نتشاجر مرة أخرى..
وتابعت وقد ارتسم الحزن على وجهها:
- ومن قبل تشاجرنا لأنني رفضت الذهاب إلى صالون التجميل وأخبرتها أنني سأتدبر أمري هنا
كانت (شيماء) في حيرة من أمرها..هل تخبر والدة (حنان) وتفسد على صديقتها يومها،أم تتركها تفعل ما تريد؟ ..وفي النهاية قررت أن تتركها وشأنها رغم شعورها بالضيق من تصرفات صديقتها..
" (حنان) ..لقد وصل خطيبك "
تسارعت دقات قلب (حنان) عندما سمعت ما قالته أمها وارتبكت بشدة،وراحت (شيماء) تضحك على مظهرها فدخلت الأم إلى الغرفة وقالت:
- هيا يا ابنتي..الرجل ينتظرك في الخارج كي تذهبي معه إلى النـ ..
بترت عبارتها وهي تنظر إلى وجه ابنتها ثم قالت:
- ألم تنتهي بعد؟
- بل انتهيت
- لكني أرى وجهك خاليا من المساحيق
قالت (شيماء) محاولة إطفاء فتيل القنبلة قبل أن ينفجر:
- لا بأس يا خالة (سهام) ..سنتدبر أمرنا فيما بعد..
والتفتت إلى صديقتها وقالت:
- هيا يا (حنان) كي لا نتأخر
وأمسكت الفتاة من يدها وخرجت بها من الغرفة وهي تستأذن من (سهام) ..وفور أن رآها (فارس) تهللت أساريره وقال:
- هل نزل القمر على الأرض أم ماذا؟
ابتسمت (حنان) في حياء وخفضت وجهها الذي تورد،فضحك (فارس) وقال وهو يمد ذراعه إليها:
- هيا كي لا نتأخر
نظرت (حنان) إلى ذراعه في تردد لكن (شيماء) لكزتها في ذراعها كي تتقدم،فتأبطت (حنان) ذراعه وهي تشعر ببعض الضيق،ونزلت لتركب معه إلى السيارة بينما ركبت (شيماء) في المقعد الأمامي بجوار السائق..
- أهلا بك..
نظرت (شيماء) إلى السائق الذي قال وهو يمد يده إليها:
- أنا (مصطفى) صديق (فارس)
مدت يدها لتصافحه مبتسمة وهي تقول:
- وأنا (شيماء) صديقة (حنان)
وانطلقت السيارة إلى النادي..
دخل (فارس) و (حنان) إلى النادي وسط أوراق الزهور التي تساقطت عليهم كالمطر ثم جلسا بجوار بعضهما البعض ليلبسها الشبكة..حاولت (حنان) في البداية أن ترفض لكنها لم تستطع لأن الأنظار كانت موجهة إليهما فتركته يلبسها الشبكة على مضض وألبسته خاتم الخطبة بطرف أصابعها مما جعله ينظر لها بدهشة لكنه لم يعلق..
وتعالت الزغاريد وبدأ الحفل الصاخب الذي لم تسمع فيه (حنان) ما كان يدور بين النسوة..
" ما هذا الذي ترتديه؟ .. "
" لم أر في حياتي عروسا لا تضع المساحيق.. "
" تبدوا فتاة سمجة،هل رأيتِ كيف كانت تلبسه الخاتم.. "
" هل هذا حجاب يناسب مناسبة كهذه؟ ..أهي في حفل أم عزاء.. "
كانت معظم الفتيات إن لم يكن جميعهن ينتقدن (حنان) بين بعضهن البعض،حتى رفيقات عملها..
وانتهى الحفل في وقت متأخر وعادت (حنان) إلى البيت لتتلقى التوبيخ من والديها عن شكلها وطريقة لبسها..لكنها أخبرتهما أنها لن تتغير وعليهما أن يتقبلاها كما هي..
ودخلت إلى غرفتها لتبدل ثيابها وتستلقي على فراشها وهي تنظر إلى خاتم خطبتها الذي يلمع في بنصرها وتبتسم..
في اليوم التالي جاء (فارس) ليصطحبها إلى أحد المطاعم لتناول العشاء،ولم تجد بدا من الموافقة لأنه اتفق مع والديها من قبل على هذا..
ركبت السيارة بجواره فأمسك بيدها لكنها سحبتها بسرعة..
- ألا زلت تخجلين مني؟ ..أنا خطيبك
قالت وهي تحاول مداراة ارتباكها:
- أعرف..لكن..
تنهد وقال:
- (حنان) ..أنا لم أعلق بالأمس على ثيابك ومظهرك والطريقة التي تعاملتِ بها معي وأنا ألبسك الشبكة،كل هذا كي لا أكسر فرحتك بذلك اليوم..لكن أرجوا منك ألا يتكرر هذا في أية مناسبة نحضرها معا
كانت (حنان) تنظر له في دهشة وقد عرفت أنها ستمر بأيام عصيبة ولا شك..
يتبع ...........