حاولت (شيماء) أن تبدوا متماسكة لكنها لم تفلح،وبدأ جسدها بالارتجاف..ولاحظ (إيفان) نظراتها فالتفت ليرى (سامح) آت وهو يقول:
- لقد ظللت أبحث عنك قرابة النصف ساعة وأنت تقفين هنا وتضحكين،وكأنك كنت تنتظرين أن ابتعد عنك كي تفعلي ما يحلوا لك
قالت (شيماء) وقد بدأ الغضب يظهر في صوتها:
- احذر مما تقول يا (سامح)
كان (حسام) قد ظهر من بعيد وهو يركض ليلحق بـ (سامح) الذي مد يده للعقد الذي يزين جيدها وقال:
- أهداك عقدا أيضا..
وجذبه مرة واحدة لتتساقط أحجاره على الأرض وقال:
- ترى ما الثمن الذي ستعطينه إياه مقابل هذه الهدية؟
لم تدر (شيماء) بنفسها إلا وهي تصفعه على وجهه،فرد لها الصفعة لتسقط أرضا..وقبل أن تنهض فوجئت بـ (إيفان) ينقض عليه ويلكمه في وجهه وقد بدا الغضب في عينيه..
نهضت (شيماء) بسرعة وأمسكت بذراع (إيفان) وهي تصيح فيه بالروسية كي يترك (سامح) وشأنه،وتجمع الناس ليفضوا الاشتباك قبل أن يتطور،وكان (حسام) قد وصل وجذب (سامح) بعيدا كي لا يسبب المزيد من المشاكل..
ابتعدت (شيماء) عن المكان وأسرعت الخطا ودموعها تتساقط وجسدها لا يتوقف عن الارتجاف.. لحق بها (إيفان) وهو يطلب منها أن تتوقف..أبطأت في مشيتها فلحق بها بعد أن أخرج منديلا من جيبه ثم أمسكها من ذراعها برفق ليوقفها وراح يمسح الدماء عن وجهها..
أخذت المنديل منه وواصلت مسح الدماء وقد ارتسم الألم على وجهها،وهي لا تكاد تشعر بالنصف الأيسر منه وقالت:
- شكرا لك
هز رأسه وقال:
- ما الذي حدث؟
لم ترد (شيماء) أن تخبره بما قاله (سامح) فقالت:
- لقد غضب لأنه كان يبحث عني منذ مدة ووجدني أقف معك،وزاد من غضبه رؤية العقد..
سالت دموعها من جديد فقال (إيفان) بعدم اقتناع:
- هذا فقط؟
أومأت برأسها فقال:
- ولماذا ضربته أنت؟
رغم كل شيء..لم ترد فضح خطيبها..رغم ألمها لم ترد أن تظهر دناءته أمام شخص غريب..
تنهد (إيفان) لما رأى صمتها ولم يجد ما يقول..
- (إيفان) !
التفت إليها فقالت:
- لا أريد أن يرانا (سامح) معا مرة أخرى..قد يتهور هذه المرة معك أنت
نظر لها (إيفان) مليا ثم قال:
- لا بأس..
وأخرج من حقيبته ورقة وقلما وخط شيئا ما على الورقة ثم أعطاها لـ (شيماء) وهو يكمل:
- بما أننا أصدقاء فهذا عنوان بريدي الإلكتروني..إن أردت التحدث معي فتأكدي أنني على استعداد لسماعك ومساعدتك في أية مشكلة تواجهك
أخذت (شيماء) الورقة بعد أن طواها وقالت بابتسامة واهنة:
- شكرا لك..وبالتأكيد سنكون على اتصال
ودعها (إيفان) وغادر..
ظلت تتابعه بعينيها حتى ابتعد وهي لا تزال تمسك بالورقة،فوضعتها في جيب بنطالها وقد انتابها شعور غريب..هي لم تكن تريده أن يبتعد..لم تكن تريده أن يذهب..لقد شعرت بعدم الأمان عندما أولاها ظهره..كادت تناديه لكنها تراجعت بسرعة..
فجأة رن هاتفها فأخرجته لتجد اسم (نهى) ..
- أهلا (نهى)
" هل أنت بخير يا (شيماء) ؟ "
- أجل بخير لا تقلقي
" أين أنت؟ "
- أنا عائدة إلى الفندق
" حسنا سأنتظرك في البهو "
- جيد..مع السلامة
وأنهت المكالمة مع صديقتها ثم عادت أدراجها إلى الفندق..
- (شيماء) ..الحمد لله أنك بخير
احتضنتها (نهى) وهي تقول:
- لقد عرفت بما جرى من (حسام) ..ما الذي حدث لكل هذا؟
وابتعدت عنها وهي تضع يدها على وجهها تتحسس مكان الضربة وقالت:
- ياله من متوحش
هزت (شيماء) رأسها وقالت:
- تعالي نتحدث في الغرفة فقد بدأت أشعر بالصداع
* * *
شهقت (نهى) عندما عرفت ما قاله (سامح) لـ (شيماء) وقالت:
- وقام برد الصفعة لك بدلا من أن يخجل من نفسه؟
وعادت لوضع الثلج على وجه (شيماء) لتخفيف الورم بعض الشيء فقالت الأخيرة:
- لقد وضع النهاية لعلاقتنا بيده
ربتت (نهى) على كتفها وواصلت ما كانت تفعل بصمت..
ومضى اليوم ولم تغادر (شيماء) غرفتها إلى أن حل المساء وحزمت الفتاتان حقيبتيهما استعدادا للعودة إلى القاهرة..
لم يتحدث (سامح) و (شيماء) مع بعضهما البعض طيلة الرحلة حتى وصلا إلى القاهرة..وهناك استقلتت (شيماء) سيارتها وعادت إلى بيتها وقد قررت الانفصال عن (سامح) ..
لكن (حسام) حاول الإصلاح بينهما،فأقنع (سامح) أن يجلس مع (شيماء) للتفاهم،واتصل بـ (شيماء) ليخبرها أن (سامح) يريد رؤيتها بعيدا عن البيت ليتكلما بهدوء..وبعد جدال معها وافقت أخيرا بعد أن وعدها (حسام) أنه سيكون معهما في نفس المكان..
وصل (حسام) و (شيماء) إلى أحد مقاهي مصر الجديدة،ثم تركها مع (سامح) وجلس بعيدا عنهما بعض الشيء..
- ما الذي تريده مني الآن؟
قالت (شيماء) عبارتها بعد أن غادر النادل الذي دون طلبيهما..
- أريد أن نتكلم عن ما حدث..
وأخذ نفسا عميقا ثم تابع:
- عن تصرفي غير اللائق معك في غرفتك،وعن صفعك لي أمام ذلك الشاب..
كانت تنظر إليه دون أن تتكلم،فقال وهو يضغط على نفسه ويستعيد ما لقنه إياه (حسام) قبلا:
- أعترف أنني أخطأت عندما أتيت إلى غرفتك وأنا في تلك الحالة،لكني لم أكن أقصد أن أمسك بسوء،كل ما هنالك أنني لم أكن بوعيي..
وصمت قليلا ثم قال:
- وأنت أخطأت أيض باستفزازي طيلة الوقت..ورغم ذلك فأنا أعتذر عن تلك الصفعة
ابتسمت (شيماء) بتهكم وقالت:
- وعلي أن أتقبل اعتذارك عن صفعي بهذه السهولة؟
- لا تنسي أنك فعلتها قبلي
- كنت أدافع عن شرفي الذي اتهمتني فيه
- لكن تصرف ذلك الشاب كان مريبا..لماذا يعطيك ذلك العقد؟
- هؤلاء القوم لا يفكرون مثلنا..الهدية لا تكون مقابل الشرف..إنهم يعبرون عن احترامهم للآخرين بهذه الطريقة
كانت حدة الحوار تتزايد،فجاء (حسام) مسرعا وجذب كرسيا ليجلس وهو يقول:
- لا تصرخا في هذا المكان..لقد اخترت لكما مكانا عاما حتى لا تتشاجرا..
ثم تابع:
- (شيماء) .. (سامح) أخطأ في حقك لكنه نادم ولا يريد الابتعاد عنك،وفي المقابل يجب أن تسامحيه وتلتمسي له العذر فيما حدث في الشارع
ساد الصمت للحظات حتى قطعته (شيماء) قائلة:
- لا بأس..أنا على استعداد لنسيان كل ما حدث،من عدم احترام وجودي واطلاق بصره في الفتيات، واقتحامه غرفتي،وصفعي أمام الناس..لكن لي شرط واحد..
نظرت إلى (سامح) لترى ردة فعله وهي تقول:
- أريد منك أن تعدني بالتوقف عن الشرب نهائيا
قال (سامح) :
- أعدك
نظرت له في شك ثم قالت:
- حقا؟
- أجل أعدك أنني لن أشرب مجددا
قال (حسام) وهو يبتسم ويربت على كتف (سامح) :
- هذا جيد..
ثم استطرد وهو ينهض من مكانه:
- سأترككما الآن لتستمتعا بوقتكما
يتبع ...........