كانت (شيماء) تجلس في غرفتها وقد تملكها الغضب..
لماذا يصر على أن يعكر مزاجي دائما؟ ..
زفرت بقوة وقامت لتجهيز حقيبتها استعدادا للرحيل بعد الغد..سمعت طرقا على الباب وهي تغلق حقيبتها..فتركتها وفتحت الباب وهي تتوقع رؤية (نهى) ..لكن الطارق لم يكن نهى..كان (سامح) ..
- ماذا تريد؟
قالتها بجمود فقال:
- أهكذا تستقبلين حبيبك؟
كان لسانه ثقيلا بعض الشيء فعلمت أنه شرب كثيرا بعد أن تركتهم،لكنها لم تأبه له هذه المرة وقالت:
- هات ما عندك
- لا تغضبي مني فأنت تعرفين أنني أغار عليك بشدة
قالت غاضبة:
- ها أنت تشرب من نفس الكأس الذي أذقتني منه مرات ومرات
دفعها لداخل الغرفة وهو يقول:
- أتعنين أنك فعلت ذلك لتضايقيني وحسب؟
شعرت (شيماء) بالخوف منه لأول مرة في حياتها فقالت:
- بالتأكيد لا..لكنك حملت الأمور أكثر من نصابها،وأنا أتعامل مع الشاب بجدية على عكس تعامل عينيك مع الفتيات
أمسكها من كتفيها وقال:
- أنا لا أتحمل أن أرى غريبا يمس شعرة منك
ثم احتضنها وحاول تقبيلها لكنها دفعته على غير العادة وهي تقول:
- غدا نتكلم يا (سامح) عندما تفيق من سكرك
قال وقد بدا الغضب في عينيه:
- لم تعودي تطيقين لمسة يدي..يبدوا أن يدي ذلك الأحمق كانتا أكثر دفئا
ولم يترك لها مجالا للرد،بل احتضنها بالقوة وألقاها على الأرض وهو يمزق ثيابها،فراحت تصرخ وتستغيث لعل أحدا ما ينجدها،ولحسن حظها كانت (نهى) قد وصلت الغرفة وسمعت صراخها وقد كان معها (حسام) ،فدخلا بسرعة وقام (حسام) بتخليصها من بين يدي (سامح) وهو يصيح فيه بغضب:
- قلت لك ألا تشرب كثيرا أيها الغبي
وراحت (نهى) تهدئ من روع (شيماء) والأخيرة لا تكف عن البكاء والارتجاف..
فوجئ الجميع بدخول أحد عمال الفندق فزعا فأخبره (حسام) أن الفتاة رأت كابوسا مخيفا وها هم معها لتهدئتها،وطمأنه بأن كل شيء على ما يرام..وبعد أن تأكد من مغادرة العامل قام بسحب (سامح) إلى الخارج وطلب من (نهى) أن تغلق عليهما الباب جيدا،فأغلقت الباب بالفعل وجلست بجوار (شيماء) والتي كانت لا تزال تبكي..
- اهدئي يا (شيماء) أنت بخير..
لكن بكاءها لم يتوقف فاحتضنتها (نهى) وراحت تمسح على شعرها حتى هدأت..
أما (حسام) فقد أخذ زميله وأدخله للحمام رغما عنه،ثم فتح عليه المرش ليندفع الماء البارد على رأسه وجسده..
- أجننت يا (حسام) ؟ ..ما الذي تفعله؟
جذبه (حسام) إلى خارج الحمام ثم لكمه ليسقطه على الأرض،وانقض عليه يمسكه من قميصه وراح يصيح فيه بغضب:
- أنت الذي جننت..ماذا كنت تفعل أيها الغبي؟ ..ألا يكفيك أنك تعكر مزاجها يوميها بحركاتك الصبيانية،فتحاول الاعتداء عليها اليوم؟
مسح (سامح) جبينه محاول التذكر..ثم ظهرت على وجهه علامات الذعر وقال:
- أنا لم أكن بوعيي
صاح فيه (حسام) بغضب أكبر:
- أعلم ذلك،ولو كنت في وعيك لقتلتك بيدي..لقد نبهناك من قبل ألا تفرط في الشراب،ونبهتك (شيماء) أيضا،لكن المسكينة كانت تنصحك خوفا عليك،وليس خوفا من تصرفاتك الطائشة..
وتابع وهو يلقي بإحدى الحقائب أمام (سامح) :
- قم وافعل شيئا مفيدا في يومك هذا
قام (سامح) وهو يشعر بالدوار،ولم يكن يريد التفكير في شيء،فأخذ يرص ثيابه في الحقيبة وترك بعضها للغد..ثم استلقى على فراشه ونام على الفور..
* * *
في اليوم التالي استيقظت (شيماء) بعد الواحدة بقليل بعد أنا نامت نوما متقطعا تتخلله الكوابيس.. كانت ترى ملثما يهاجمها وعندما اقترب منها أكثر وكاد ينال منها اكتشفت أنه (سامح) ..
هزت رأسها وقامت لتدخل الحمام،لكن (نهى) كانت بداخله فانتظرتها حتى خرجت..
- كيف حالك اليوم؟ أفضل؟
أومأت (شيماء) برأسها وقالت وهي تخلع خاتم خطبتها وتضعه على الطاولة بجوارها:
- أنا لا أريد رؤية ذلك الشخص مرة أخرى
ربتت (نهى) على كتفها وقالت:
- لا تفكري في الأمر،ادخلي الحمام واغسلي وجهك وتعالي لنتناول الفطور معا
أطاعتها (شيماء) ،وبعد ساعة كان لدى الجميع اجتماع مع مرشد الرحلة،وخفق قلب (شيماء) بشدة، كيف لها أن ترى (سامح) مرة أخرى؟ ..إنها لم تعد تطيق سماع صوته فما بالها برؤيته؟ ..
لكن الاجتماع مر بسلام وتركتهم هي بسرعة قبل أن تسمع منه حرفا،وبالفعل لحق بها محاولا الكلام معها إلا أن (نهى) أوقفته قائلة:
- اتركها الآن إنها في حالة لا تسمح لها برؤيتك أصلا..انتظر حتى نعود إلى القاهرة وهناك سيكون لنا كلام آخر
كاد أن يرد لكنها تركته وخرجت خلف صديقتها..
جاء (حسام) وأمسكه قبل أن يلحق بـ (نهى) وهو يقول:
- لا تحاول الحديث معها الآن..واحمد لله على عدم معرفة أحد غيرنا بهذه المصيبة
دفع (سامح) يده وقال بضيق:
- تتعامل معي وكأنني طفل صغير..انتبه يا (حسام) .. (شيماء) خطيبتي ولا دخل لأحد بعلاقتنا
- وهل هناك من يتعامل مع خطيبته بهذا الشكل؟ ..قلت لك انتظر لأنك لو حاولت محادثتها الآن فستزيد الأمر سوءا فتمهل
وجد (سامح) أن كلامه منطقي فأذعن له ولم يلحق بها..
أما (شيماء) فقد ظلت جالسة مع (نهى) في حديقة الفندق حتى جاء (وسام) وعرض عليهما الخروج إلى الكورنيش،لكن (شيماء) رفضت..
- ألا زلت غاضبة من (سامح) لما فعل بالأمس يا (شيماء) ؟
حاولت أن تسيطر على ملامح وجهها وهي تقول:
- لقد اعتدت على ذلك
- حسنا لم لا تأتين معنا للترفيه عن نفسك قليلا؟
- شكرا لك يا (وسام) ،لكني لا أريد الخروج الآن،قد آتي فيما بعد..
ثم قالت لـ (نهى) :
- اذهبي معه ولا تربطي نفسك بي
قالت (نهى) وهي تنظر لها نظرات ذات مغزى:
- لن أتركك وحدك
- لا عليك يا (نهى) ..اذهبي وسأكون بخير
وبعد جدال قامت (نهى) كي لا تثير حفيظة (وسام) ..وتابعتهما (شيماء) بعينيها حتى اختفيا عن الأنظار..
استرخت (شيماء) في مقعدها وحاولت ألا تفكر في أي شيء يزعجها،فأخرجت هاتفها المحمول ووضعت سماعات الأذن وراحت تستمع إلى أغنية أجنبية..كانت تغني معها في سرها وتهز رأسها على الألحان حتى رأت وجها تهللت أساريرها من أجله..وجها بعينين رماديتين..
- هل يمكنني أن أجلس معك؟
ابتسمت (شيماء) وأفسحت له المجال ليجلس..
- للأسف سأسافر غدا..كنت أود البقاء لوقت أطول في مصر..لقد أحببتها حقا
هزت رأسها بابتسامة ولم ترد فقال:
- منظر النيل جميل جدا..خاصة في الليل
- أنا أعتبره أجمل شيء في مصر على الإطلاق
- إذن ما رأيك في نزهة على ضفافه ؟
ابتسمت ووافقت على الفور وتعجبت من نفسها..ربما وافقت لأنها تريد الخروج من الجو الذي يسيطر عليها منذ الأمس..ربما..
قبل أن يذهبا إلى الكورنيش عرض عليها أن يذهبا إلى أحد البازارات القريبة لشراء بعض التذكارات فلم تمانع..وراحا يتجولان بين المحال وهو يسألها عن رأيها في بعض الأشياء،ثم استأذن منها في العودة إلى أحد المحال وتركها في مكانها،فوقفت تشاهد البضاعة المعروضة وتتلمس بأناملها بعض التماثيل الفرعونية الصغيرة،فوجدت صاحب المحل يسألها إن كانت ترغب في شراء واحد لكنها شكرته وابتعدت عن المكان لعلمها أنه لن يتوقف عن الكلام حتى يقنعها بالشراء..ثم عاد (إيفان) وانطلقا إلى الكورنيش..
كانت تستند على السور والهواء يتلاعب بشعرها وهي تنظر إلى الماء الصافي..
- فيم تفكرين؟
انتبهت من شرودها ورسمت على وجهها ابتسامة وقالت:
- لا شيء..
ثم تابعت:
- هل ذهبت إلى أي بلد آخر غير مصر؟
أومأ برأسه وقال:
- ذهبت إلى إسبانيا
- حقا؟
- أجل..وهي جميلة جدا
- أتمنى أن أزورها في يوم ما
- إذن فاهتمامك بالتاريخ لا ينصب على التاريخ الفرعوني وحسب؟
ابتسمت وقد بدأت تستمتع بالحديث وقالت:
- دراستي كانت تركز على التاريخ الفرعوني،لكن لي قراءات خارجية عن الأماكن السياحية في العالم،وقد قرأت عن إسبانيا واليونان وتركيا وأميركا الجنوبية،وجميعهم بهم أماكن تستحق الزيارة..
ثم تابعت بفخر:
- لكن مصر هي الأفضل بالتأكيد،وأكثرهم تميزا
ضحك (إيفان) وقال:
- لا بد أن تقولي هذا الكلام فهي بلدك في النهاية
قالت بجدية:
- صدقني حتى لو لم تكن بلدي لقلت مثل هذا الكلام..إن مصر بها مزيج ساحر من التاريخ وآثاره،و يكفيها النيل شاهدا ليحكي قصصا كثيرة عما مرت به هذه البلد من أحداث طيلة القرون الماضية
- أنت تعشقينها إذن
- بالتأكيد
ساد بينهما الصمت لبضع ثوان ثم قطعه (إيفان) قائلا:
- آنسة (شيماء) ..هل تقبلينني صديقا لك؟
قالت وقد بدا عليها السرور:
- بالطبع
- إذن هذه هدية مني عربون صداقة
وأخرج من الحقيبة التي يحملها على ظهره عقدا فرعونيا من أحجار بلون الصخور..ارتفع حاجباها دهشة ولم تعلق فقد ألجمتها المفاجأة وأشعرتها بالحرج أيضا..
طلب منها أن يلبسها إياه فأدارت له ظهرها ورفعت شعرها كي يتمكن من ذلك،ثم وضعت يدها عليه تتلمسه وقد غزت ابتسامة شفتيها وقالت:
- لا أعرف كيف أشكرك..هدية رائعة
فجأة اتسعت عيناها..فقد رأت (سامح) قادما..
يتبع ...........