كان اليوم التالي يوم نزهة حر،وقد أمضته (شيماء) بصحبة (سامح) فذهبا إلى الكورنيش وراحا يتحدثان في أمور عدة..وفي المساء ذهبوا جميعا إلى أحد المطاعم لتناول العشاء،واتخذ (سامح) و (شيماء) طاولة في أحد الأركان ليتحدثا بحرية..
كانت (شيماء) ترتدي ثوبا قرمزيا هذه المرة،لكنه أطول وبأكمام قصيرة..وكان يدور بينهما حديث هامس تتخلله كلمات الغزل،الذي تتورد له وجنتا (شيماء) ويطرب له قلبها..لطالما أحبت صوته الهامس لها بكلمات الحب،والذي يجعلها تحلق في سماء غير سمائنا،وتعيش في عالم غير عالمنا..
قد يكون كلام (سامح) لها متشابها مع سابقه،لكنه في كل مرة كان يزينه بطريقته،ليلمس وترا مختلفها في قلبها..فيكون للغزل طعما متجددا..لكن سعادتها لم تطل كثيرا،فقد كان يتابع بعينيه فتاة أخرى تجلس في الطاولة المجاورة لهما..كانت تلبس ثوبا مكشوف الظهر ولا يغطيه إلا شعرها الذهبي المصبوغ..
عندما جاء النادل ليطلبوا طعامهم لاحظت (شيماء) نظراته لتلك الفتاة،فاستشاطت غضبا..
- (سامح) ..ألهذا الحد لا أمثل لك شيئا؟
التفت إليها (سامح) وقال ببراءته المصطنعة:
- ماذا؟
قالت وهي تحاول السيطرة على نبرة صوتها:
- لماذا تحملق في تلك الفتاة؟ احترم وجودي على الأقل..ألا يمكنك أن تجلس مرة واحدة دون أن تتحرك عيناك ذات اليمين وذات الشمال؟
- يا حبيبتي قلت لك مرارا أنني لا أرى أحدا سواك..
ثم تابع وهو يحاول أن يمسك بيدها:
- الفتاة لفتت نظري بصوت ضحكاتها لا أكثر،لكني عدت إليك فورا كالطير الذي يحن إلى عشه
سحبت يدها ولم ترد،فقد كانت تخشى أن ينفجر بركان الغضب الذي بداخلها فيفسد كل شيء..الكلام المعسول لا يكفي وحده لإنماء الحب بينهما،إنها تريد منه أن يحترمها كأنثى وحبيبة،فما فائدة الكلام دون التأكيد عليه بالفعل؟! ..
رن هاتف (سامح) فرد وظل يتحدث حتى جاء النادل بالطعام..حاول (سامح) إخراجها عن صمتها لكنها لم ترد،كانت تشعر أنها لو تكلمت ستسقط دموعها،وهي لا تريد أن تظهر أمامه بهذا الضعف..
أنهت طعامها بسرعة وطلبت منه أن تعود للفندق..حاول إثناءها عن رغبتها لكنها أصرت،فاستسلم في النهاية وأوصلها للفندق وهي لا تزال صامتة كالحجر الأصم..
صعدت إلى غرفتها ودخلت إلى الحمام وراحت تنظر لنفسها في المرآة..
ما الذي يوجد لدى أولئك الفتيات ولا يوجد لدي؟ أنا لست بارعة الجمال،كما أنني لست قبيحة..أنا فتاة عادية وقد خطبني لأنه كان معجبا بي،فلمَ يفعل هذا معي؟!
انحدرت على وجهها دمعة ساخنة،سارعت بمسحها وأخذت منديلا مبللا لتزيل به المساحيق من على وجهها،لكن دمعة أخرى سقطت وتلتها ثانية وثالثة،فتركت لهم العنان أخيرا..
استندت على حافة الحوض وراحت تبكي..لكنها توقفت عندما سمعت باب الغرفة يفتح..
- (شيماء) ..هل أنت هنا؟
ردت (شيماء) وهي تحاول أن يبدوا صوتها طبيعيا:
- أجل يا (نهى)
غسلت وجهها جيدا وبدلت ملابسها ثم جلست على فراشها لتسألها (نهى) وهي تخلع قرطيها:
- هل تشاجرتما اليوم أيضا؟
أومأت برأسها فقالت (نهى) بضيق:
- (سامح) هو السبب أليس كذلك؟
زفرت (شيماء) بقوة وقالت:
- أرجوك يا (نهى) ..لا أريد أن أتحدث الآن..أشعر أنني أكاد أختنق
جلست (نهى) بجوارها وربتت على كتفها وقالت:
- لا بأس..نامي الآن وغدا لنا كلام آخر
هزت (شيماء) رأسها واستلقت على الفراش وقد أدارت ظهرها لـ (نهى) ..لكنها لم تستطع النوم..
مرت ساعة كاملة وهي على فراشها لم تتحرك..التفتت إلى سرير (نهى) لتجدها تغط في نوم عميق، فتنهدت وقامت لتحضر حاسوبها المحمول..فتحته وراحت تتصفح الإنترنت حتى سمعت أزيز هاتفها المحمول..
تسارعت ضربات قلبها..أتراه هو؟ ..أخذت الهاتف بسرعة لتجد رسالة..
" يا سيدتي:
أنت خلاصة كل الشعر..ووردة كل الحريات..
يكفي أن أتهجى اسمك..
حتى أصبح ملك الشعر..وفرعون الكلمات..
يكفي أن تعشقني امرأة مثلك..
حتى أدخل في كتب التاريخ..وترفع من أجلي الرايات.. "
* * *
كان السرور يملأ وجهها وهي تجلس في الحافلة في طريقهم إلى أسوان،وتقرأ رسالة الأمس مرارا وتكرارا..
تبتسم عندما ترى الكلمات،وتتسع ابتسامتها عندما تتذكر وجهه صباح هذا اليوم،الذي اختفى خلف باقة كبيرة من أزهار التيوليب التي تعشقها..
ربتت على الباقة بجوارها وقد نما بداخلها أمل كبير أن يتغير (سامح) ..
كانت الجولة في أسوان مرهقة،خاصة وأنها كانت تتوق للعودة لرؤيته والجلوس معه..
وفي المساء ذهبا مرة أخرى إلى النادي الليلي مع بقية زملائهم،وهي تتألق في ثوب أسود طويل بحمالة واحدة و له فتحة على أحد جانبيه تصل إلى ركبتها..أخرج (سامح) سيجارة وراح يدخنها..لكن (شيماء) لم تشعر بالضيق هذه المرة،فقد كانت في سعادة تجعلها تتغاضى عن أي شيء قد يعكر مزاجها..
وبينما هم يتحدثون ويضحكون سمعوا صوتا أجنبيا..
- دوبري فيتشر!
التفتت الرؤوس الستة إلى الشاب الأشقر ذي العينين الرماديتين،لترتسم ابتسامة على وجه (شيماء) وترد تحيته..وتقوم بتقديمه إليهم..
حياه الجميع فقال موجها حديثه إلى (شيماء) بعد أن ابتعدت قليلا عن الطاولة:
- كيف حالك؟
- أنا بخير..وأنت؟
- بخير..
ثم تابع بعد ثوان من الصمت:
- هل يمكنني أن أتشرف بمشاركتك لي في الرقص؟
ظهرت الدهشة على وجهها وقالت:
- أنا؟
أومأ برأسه إيجابا فقالت:
- حسنا لكن سأخبر (سامح)
وعندما عرف (سامح) بما يريد قال:
- نحن لا نعرفه ولا هو يعرفنا كي يطلب منك طلبا كهذا
قالت (شيماء) :
- أنا أعرفه
قال (حسام) :
- لا مشكلة يا (سامح) فالأجانب يعتبرون هذا أمرا عاديا
رد (سامح) بضيق:
- لكنني لست أجنبيا
قالت (نهى) مدافعة عن صديقتها:
- دعها تذهب..فأنت لم ترقص معها منذ أن أتينا
عقبت (شيماء) :
- ومن غير اللائق أن نتصرف مع الرجل بهذا الشكل،إنه ضيفنا على أية حال
ثم ربتت على كتف (سامح) وذهبت مع (إيفان) بينما (سامح) يتابعهما بعينيه وهو يشعر بالغيظ..
- يبدوا أن خطيبك يغار عليك بشدة،ولهذا طلب منك عدم مرافقتي
رفعت ناظريها إليه وهي تقول في ذهول:
- كيف عرفت ذلك؟ هل كنت تفهم ما نقول؟
ضحك (إيفان) ليبدوا أكثر وسامة مما هو عليه وقال:
- بالطبع لم أفهم حرفا،لكني استنتجت ذلك من تعبيرات وجهه وطريقة حديثه معك
ضحكت (شيماء) على سذاجتها..كيف لم تفطن لذلك..حتى لو كان أصما لفهم ما كان يحدث..هزت رأسها لتنفض هذه الأفكار عنها وراحت ترقص معه على أنغام الموسيقى الغربية،والابتسامة تعلوا شفتيهما..
أما (سامح) فقد كان يتميز من الغيظ ،فالتفت إلى (حسام) وقال له بعصبية:
- هل ترى ما أراه الآن؟
هدأه (حسام) وقال:
- أجل أرى،ولقد رقصت أنا معها قبل ذلك وأنت لم تعلق
- يا (حسام) نحن أصدقاء وأنا أعرفك جيدا،لكنه رجل غريب
ربت (حسام) على كتفه وقال:
- كما قلت لك..الأجانب لا يرون في هذا مشكلة..أي أنه لا يفكر بشيء مما تفكر فيه أنت
عادت (شيماء) إلى الطاولة بعد أن ودعت (إيفان) ،ثم شربت بعض الماء ليقول (سامح) :
- هل استمتعت بالرقص؟
أومأت برأسها إيجابا وقالت بتلقائية:
- كثيرا
- لم لا تكملين السهرة معه إذن؟
نظرت له (شيماء) بدهشة،لكنها حاولت احتواء الموقف فقالت بدلال وهي تمسك بيده:
- أتغار منه أم ماذا؟
دفع يدها وهو ينظر لها شذرا،فتبدلت ملامحها ولزمت الصمت كي لا تفسد سهرة زملائها..
يتبع ...........