اكتمل العدد في الحافلة،وانطلقت بهم إلى معبد الأقصر..
أمسكت (شيماء) بمكبر الصوت وقامت بتعريفهم بنفسها،ثم شرحت لهم مسار رحلة اليوم في كلمات،وتلقت بعض الأسئلة وأجابت عليها والابتسامة لا تفارق وجهها،وبعد أن انتهت جلست في المقعد المخصص لها..لكنها لم تنتبه لتلكما العينين اللتين كانتا تتابعانها،عينان لهما لون رمادي مختلط بلون السماء في مزيج عجيب وساحر..
وصلت الحافلة إلى معبد الأقصر،وقد كان الجو حارا رغم أنهم في أول أكتوبر،فوضعت قبعتها على رأسها وبدأت الجولة..
أعطتهم نبذة مختصرة عن تاريخ المعبد،ثم دخلوا لتشرح لهم المزيد عن كل ركن فيه،كما لو أنها كانت تعيش مع أولئك القوم منذ آلاف السنين،ومضت تتنقل من بهو لآخر وهي تنتقي الكلمات كي تطبع صورة جميلة في قلوبهم قبل عقولهم..
انتهت جولتهم في معبد الأقصر ثم ذهبوا إلى معبد الكرنك،أكبر معبد مسور في العالم،وراحت تشرح لهم بأسلوبها السلس وهم يستمعون إليها باهتمام،وأحيانا تتخلل الجولة بعض الأسئلة فتجيبها بلباقة..
في طريق الكباش بدأ البعض بالتقاط الصور التذكارية،فتركتهم يستمتعون وأخرجت قارورة المياه لتشرب،لكنها لم تجد بها قطرة واحدة،فيبدوا أنها لم تنتبه للكمية التي تشربها أثناء جولتها..
- دوبري دين!
التفتت لتجد عينين رماديتين كانتا تتابعانها دون أن تشعر،وكانتا تنظران إليها من بين قسمات وجه وسيم..ابتسمت له بتلقائية وردت تحيته فقال:
- لدي قارورة مياه إضافية..
ومد يده إليها بالقارورة قائلا:
- تفضلي
شعرت (شيماء) بالحرج الشديد منه،لكنها لم تستطع مقاومة منظر القارورة التي تكثفت قطرات الماء عليها،فأخذتها شاكرة وشربت منها ثم أعادتها إليه..
- فلتبقى معك..لدي زجاجة أخرى
ازداد حرجها أكثر لكنها شكرته ووضعت الزجاجة في حقيبتها فمد يده لمصافحتها قائلا:
- اسمي (إيفان)
صافحته (شيماء) وهي تتأمله.. (إيفان) كان وسيما ذا وجه أبيض يشوبه بعض الاحمرار بسبب أشعة الشمس،وكان شعره أشقر اللون وله لحية وشارب خفيفين..
طلب منها أن تلتقط له صورا بجوار أحد الكباش الحجرية،فأخذت منه الكاميرا والتقطت له عدة صور جميلة..ثم عاودوا التحرك كي يكملوا الجولة ومن ثم يلحقوا بالحافلة التي ستعيدهم إلى الفندق..
خرجوا من المعبد وارتمت (شيماء) على مقعدها في الحافلة وهي تشرب بقية الماء من القارورة التي أعطاها إياها (إيفان) ،وهي تشعر أنه أنقذها من الموت عطشا..ابتسمت لهذه الفكرة ثم أراحت رأسها على المقعد حتى وصلوا إلى الفندق..ولم يكن (سامح) قد وصل بعد،فأخرجت هاتفها لتتصل به عندما وجدت (إيفان) قادما إليها..ابتسمت له فقال:
- لقد كنتِ رائعة..هذه هي زيارتي الأولى لمصر،لكنني بدأت أتعرفها جيدا بعد أن استمعت لشرحك
اتسعت ابتسامتها وقالت:
- لا بأس،هذا عملي،وأرجوا ألا تكون هذه آخر زيارة لك
- بالتأكيد لن تكون آخر زيارة،فأنا لم أر شيئا بعد
قبل أن تتحدث سمعت صوت (سامح) يناديها،فاستأذن منها (إيفان) ،وجاء (سامح) ثم قال:
- من ذلك الشاب؟
- إنه أحد السياح كما ترى
- ولماذا غادر فور أن رآني؟
ابتسمت (شيماء) بخبث وقالت:
- أتغار منه يا حبيبي؟
- أغار مِن مَن؟ لا بد أنك لا تعرفين (سامح)
ضحكت لعصبيته وقالت:
- ها أنت تشرب من نفس الكأس
واستمرت في الضحك مما دفعه لنهرها على ذلك،لكنها لم تتوقف بل ازداد ضحكها حتى أمسكت بطنها من الألم..
صعد كل منهم إلى غرفته لتبديل ثيابه وتناول طعام الغداء..ثم عادوا لغرفهم كي ينالوا قسطا من الراحة قبل الذهاب لعرض الصوت والضوء في معبد الكرنك ليلا..
* * *
للمرة الثانية تصعد (شيماء) إلى الحافلة لبدء رحلة جديدة،ولاحظت مكان جلوس (إيفان) هذه المرة، كان يجلس في المقعد الموجود خلف السائق،ووجدته ينظر إليها مبتسما،فبادلته الابتسام قبل أن تمسك مكبر الصوت لتعطيهم نبذة عن رحلتهم الليلية..
لكنها لم تلحظ نظراته هذه المرة أيضا،فهو لم يرفع عينيه عنها خاصة أنها ارتدت ثوبا صيفيا ملونا بلا أكمام،ووضعت نظاراتها الطبية عوضا عن الشمسية،وتركت شعرها المموج منسدلا،فبدت مختلفة تماما عما كانت عليه صباحا..
وبينما (شيماء) تتحدث،حانت منها التفاتة إلى (إيفان) لتجده مصوبا بصره إليها،لكنه لم يحرك عينيه عنها كي لا يلفت انتباهها،و (شيماء) ظنت أنه يتابع حديثها كبقية الركاب فلم تهتم..لكنه كان يسمعها بنصف انتباه..
وصلوا إلى المعبد للمرة الثانية في هذا اليوم لحضور العرض،وفي طريق العودة..
- ثوب جميل!
التفتت (شيماء) إلى (إيفان) فوجدته يبتسم لها،بادلته الابتسامة وقالت:
- شكرا لك..
ثم تابعت:
- كيف كان العرض؟ هل أعجبك؟
- بالطبع..
ثم واصل وهما يمشيان جنبا إلى جنب:
- المصريين القدماء كانوا على قدر كبير من التطور لينحتوا معابد بهذه الروعة،وتظل صامدة لآلاف السنين
أومأت (شيماء) برأسها موافقة وقالت:
- لم يقتصر الأمر على المعابد وحسب،فغدا عندما نذهب للبر الغربي سترى العجب العجاب في مقابرهم ومعابدهم الجنائزية..
واستطردت في حماس:
- أقرب مثال لذلك هو أهرامات الجيزة،فمن روعتها أصبحت إحدى عجائب الدنيا السبع
- أجل لقد رأيتها من قبل عبر الانترنت،كما رأيت معبد (حتشبسوت) قبل هذه الزيارة
- الصور تختلف عن الواقع بكثير
- أكيد..
وصمت قليلا ثم قال:
- لغتك الروسية ممتازة؛فأنت تتحدثينها كأهلها تماما
احمر وجهها لهذا الإطراء وقالت:
- شكرا لك..
وصلوا إلى حافلتهم وعادت بهم إلى الفندق وكل منهم يتوق إلى فراشه..
يتبع ...........