ذهبت (شيماء) إلى عملها في اليوم التالي،وهي تتحرق شوقا للقيا (حنان) أقرب صديقاتها..ودخلت إلى المكتب لتفاجأ بما لم تتوقعه أبدا..
- حمدا لله على سلامتك يا (شيماء) ..أنا غاضبة منك لأنك لم تتصلي بي منذ أن ذهبت إلى الأقصر
قالت (حنان) تلك العبارة وهي تحتضن صديقتها بشوق..وعندما ابتعدت عنها فوجئت بنظرات الذهول تطل من عيني (شيماء) ..
- (حنان) ..ما هذا؟
قالت (حنان) بدهشة:
- ماذا؟ ..
ثم انتبهت إلى ما ترمي إليه فضحكت وأشارت إلى حجابها قائلة:
- تعنين هذا؟ ..لقد ارتديته أول أمس فقط..
ثم لكزتها في جنبها وقالت:
- ألن تباركي لي؟
أفاقت (شيماء) من صدمتها وقالت:
- علام أبارك لك؟ ..ألم تنظري لنفسك في المرآة قبل أن تأتي إلى هنا؟
كانت (حنان) تتوقع ردة فعل كهذه فقالت وقد رسمت على وجهها ابتسامة هادئة:
- بالتأكيد فعلت..وقد وجدت نفسي فتاة طبيعية
بدا الضيق على وجه (شيماء) فقالت:
- حسنا لا بأس في الحجاب فبعض زميلاتنا يرتدينه..لكن..
وحاولت اختيار الكلمات ثم قالت:
- لماذا لا ترتدين حجابا عصريا مثل (سهى) أو (مروة) ؟ تبدين أكبر من عمرك بسنين يا (حنان)
قالت (حنان) منهية الحوار:
- سنضيع الوقت في الكلام..انتظري حتى موعد الغداء كي نتحدث كما يحلوا لنا
لم تجد (شيماء) بدا من السكوت..ولكنها كانت تنتظر ساعة الغداء بفارغ الصبر كي تعرف من الذي أفسد عقل صديقتها..
في أحد المقاهي القريبة كانت (شيماء) تجلس وهي تحتسي القهوة مع (حنان) ..
- كنت أريد ارتداء الحجاب منذ عدة أشهر لكنني كنت مترددة..لم أكن أريد ارتداءه مثل (سهى) أو (مروة) لأنني كنت قد أخذت على نفسي عهدا،إن قررت ارتداءه فيجب أن ألتزم بشروطه
قالت (شيماء) :
- لكنك ستشعرين بالحر،فأنت ترتدين الكثير من الثياب
ضحكت (حنان) وقالت:
- حتى في السابق كنت أشعر بالحر
قالت (شيماء) :
- وعملك؟
- ما به عملي؟
- كيف ستتحركين بهذه الثياب؟
ضحكت (حنان) مرة أخرى وقالت:
- ما بك يا (شيماء) ؟ ..الأمر أبسط مما تتخيلين..أنا أتحرك مثلك تماما..
ثم تابعت بعد أن رشفت من قهوتها هي أيضا:
- لا تحاولي مغافلتي كي لا تخبريني عن رحلة الأقصر
وجمت (شيماء) ثم قالت بعد لحظات من الصمت:
- كانت جيدة
نظرت إليها (حنان) بشك وقالت:
- وجهك يقول أنك تشاجرت مع (سامح) مرة أخرى
قالت (شيماء) بسرعة:
- لا تقلقي لقد تصالحنا
- ماذا حدث؟
لم تجد (شيماء) مهربا من صديقتها فأخبرتها بما حدث بالتفصيل،و (حنان) تسمع وهي تحاول تحليل المواقف في رأسها..
- وصدقته؟
ردت (شيماء) :
- لقد وعدني بذلك وأمام (حسام) أيضا
- وهل (حسام) هو الضمان؟!
- ليس ضمانا..
وتنهدت ثم أردفت:
- هذه آخر فرصة لـ (سامح) معي
قالت (حنان) :
- من الجيد أن تفكري هكذا ولكن..كيف وافقت على العودة بهذه السهولة بعد ما فعل؟
أطرقت (شيماء) فقالت (حنان) :
- تحبينه! ..
وأخذت نفسا عميقا ثم قالت:
- (شيماء) ..شرارة الحب العنيف هذه ستخبوا بعد الزواج ومواجهتكما للمسؤوليات معا..أنا لا أقول أن الحب سينتهي،لكن شكله سيتغير..وما تتحملينه الآن قد لا تتحملينه فيما بعد،خاصة أنكما ستكونان تحت سقف واحد،وستتجلى لك كل صفاته التي لم تكوني تعرفيها من قبل..
وسكتت قليلا لترى أثر كلامها على وجه (شيماء) ثم واصلت:
- لذا يجب أن تكوني حذرة..لن أقول لك راقبيه فهذا سيزرع الشك في داخلك،لكن انتبهي لتصرفاته، وانتبهي لتصرفاتك أنت أيضا
قالت (شيماء) أخيرا:
- لا تقلقي..فكما قلت لك إن هذه هي آخر فرصة له معي
* * *
بعد أن عادت (شيماء) من عملها فتحت حقيبتها لتخرج ثيابها وترتبها..وما يحتاج للغسيل كانت تفتش جيوبه وتضعه في كومة بجانبها،إلى أن أمسك بأحد البناطيل لتصطدم يدها بورقة في أحد جيوبه.. فتحتها لتجد فيها عنوان البريد الإلكتروني الخاص بـ (إيفان) ..
ابتسمت لا إراديا ووضعت الورقة على مكتبها،ثم واصلت ما كانت تفعله..
بعد أن انتهت أخذت ثيابها ووضعتها في سلة الغسيل في أحد أركان غرفتها لتأخذها الخادمة في الصباح لغسلها،وخرجت لتناول طعام الغداء مع والدتها..
- لم تقولي لي كيف كانت رحلتك؟
هزت رأسها وقالت:
- كانت جيدة
- غدا لدي اجتماع في الجمعية النسائية،هل تودين الحضور؟
- سأفكر في ذلك..
وأردفت وهي تضع بعضا من الخضر في صحنها:
- في أي وقت ستكون؟
- ستبدأ الثالثة عصرا
- حسنا دعيني أفكر
فجأة قالت والدتها:
- عيد ميلاد (نهال) ابنة خالتك يوم الثلاثاء..وسوف يكون في نادي (.....)
- وكم ستبلغ من العمر؟
- ستة عشر عاما
رفعت (شيماء) حاجبيها في دهشة وقالت:
- لقد كبرت تلك الفتاة
وهزت رأسها مبتسمة وواصلت تناول طعامها
بعد الغداء اتصلت بـ (حنان) لتخبرها بموعد حفل عيد ميلاد (نهال) ،وعندما أنهت مكالمتها ابتسمت عندما وجدت (سامح) يتصل بها..أخبرها أنه يريد السفر إلى الغردقة يوم الأربعاء لقضاء يومين هناك،وأن بعضا من زملائهم سيأتون معهم..فوافقت على الفور وأخبرته عن حفل عيد الميلاد قبل أن تنهي المكالمة..
يوم الثلاثاء ذهبت (شيماء) إلى حفل عيد ميلاد ابنة خالتها،وكانت معها (حنان) ..أما والدتها فقد سبقتهما منذ مدة..وبعد أن دخلتا إلى النادي ذهبت (حنان) لتسلم على والدة (شيماء) ..
نظرت المرأة إلى (حنان) في ذهول..
- ما هذا يا (حنان) ؟
قالت (حنان) بمرح:
- لقد رأيت هذه النظرة في عيني (شيماء) قبلا
- لماذا فعلت هذا بنفسك؟
جاءت (شيماء) لتسمع عبارة أمها فقالت مدافعة عن صديقتها:
- إنها حرة يا أمي
مطت والدتها شفتيها وقالت:
- هل جاء خطيبك؟
- سيأتي بعد قليل
كان الحفل صاخبا ومعظم الحضور من صديقات (نهال) اللواتي كن يرتدين ثيابا مكشوفة وقد صبغت كل منهن شعرها بلون،وارتدت حذاء بكعب عال ووضعت مختلف المساحيق..فبدون أكبر من أعمارهن بسنين..
انتهى الحفل وبدأ الحضور في المغادرة..ودع (سامح) خطيبته على وعد بأن يلتقيا في اليوم التالي للذهاب إلى الغردقة،ثم ركب سيارته وغادر،أما والدة (شيماء) فقد أخبرتها أنها ستعود مع أختها،فاتجهت (شيماء) مع صديقتها إلى سيارتها..وبينما هي تعبر الطريق فوجئت بأضواء قوية قادمة باتجاهها لترتطم بها وتسقطها أرضا..
يتبع ...........