فتحت (شيماء) عينيها لتصاب بالهلع..
- ما هذا المكان؟!..
لكنها تذكرت فتنهدت في راحة..كانت الساعة تقترب من العاشرة صباحا..فنهضت من فراشها وخرجت من الغرفة..وقفت في مكانها لا تدري أين الحمام..ومن المؤكد أن أهل البيت ليسوا فيه،وربما كان (إيفان) نائما حتى الآن..فقررت أن تبحث بنفسها..
لكن قبل أن تتحرك ظهر أمامها (إيفان) وعلى وجهه ابتسامة عريضة..
- صباح الخير
ابتسمت وردت التحية ثم سألته عن مكان الحمام..وبعد أن خرجت وجدته يضع بعض الصحون على المائدة..
- انتظر سآتي لمساعدتك
ودخلت خلفه للمطبخ لتجده يصنع بعض الشطائر وبجواره بعض حبات الطماطم،فأحضرت صحنا آخر وراحت تقطع الطماطم وهي تقف بجواره..
- لم أكن أعلم أنك تنامين بهذه السرعة..
توقفت يدها عن العمل واتسعت عيناها وقد تذكرت ما حدث بالأمس..
شعرت برجفة تسري في جسدها،لكنها عاودت العمل لتخفي ارتباكها فقال:
- استعدي لأول جولة اليوم..سنذهب إلى متحف الإرميتاج
- جيد..وسنتبادل الأدوار..أنت ستكون المرشد وأنا السائح
بعد الإفطار اتصلت بأمها لتطمئنها أنها وصلت..ثم تجهزا للذهاب إلى المتحف..
مرا بجوار نهر (نيڤا) الذي يطل عليه المتحف لتشهق (شيماء) من الانبهار وتقول:
- لقد رأيت المتحف في الصور من قبل لكني لم أتخيل أن يكون بهذه الروعة
ضحك (إيفان) وقال:
- أجلي انبهارك حتى تدخلي إليه
دخلا إلى المتحف وراحا يتنقلان بين القاعات،ولم تشعر (شيماء) بمرور الوقت فقد كان المتحف مبهرا بحق..ومن أكثر ما أعجبها الجزء الفرعوني الموجود فيه؛فقد أحست أن تاريخ بلدها له أهمية كبرى في العالم..
خرجا بعد ثلاث ساعات ونصف الساعة،ثم راحا يمشيان على جانب النهر..
- هذا المكان مريح للـ..
بترت عبارتها عندما أحست بيده تمسك بكفها..التفتت إليه وتلاقت أعينهما لتقولا الكثير..فنظرت (شيماء) أمامها ثم شبكت أصابعها بأصابعه..
غزت ابتسامة شفتي (إيفان) وضغط برفق على كفها ثم واصلا طريقهما على ضفة النهر وهما يتحدثان..ثم عادا إلى البيت عند الثالثة والنصف تقريبا..
كان الجميع في البيت وقد اجتمعوا على مائدة الغداء،فقام (إيفان) بتعريفها إلى أبيه وأخيه..سلمت عليهما ثم انضمت مع (إيفان) إليهم على المائدة..
قضت (شيماء) وقتا ممتعا في ذلك اليوم،وشعرت بالدفء في هذا البيت..
أمضت الأيام التالية في زيارة معالم المدينة الساحرة..فذهبت مع (إيفان) إلى قصر بيترهوف،والذي زاد انبهارها أضعافا مضاعفة..وزارا كنيسة القديس (إسحاق) ،وصعدا معا إلى قمتها لتشاهد (شيماء) المدينة من الأعلى..كان المنظر يحبس الأنفاس..كما زارت أيضا قصر (إيكاترينا) العظيمة..
وذهبت إلى شارع نيفسكي..أكبر شارع في سان بطرسبرغ كلها،بأنهاره الثلاثة التي تجمدت بسبب برودة الجو..ومن هناك اشترت بعض التذكارات..
التقطت العديد من الصور في كل مكان..صور منفردة لها أو لـ (إيفان) ،وصور لهما معا،وصور للأماكن نفسها..وانقضى الوقت سريعا ولم يتبق إلا يومين فقط للعودة إلى القاهرة..
عادت (فاليريا) من الخارج ومعها (إيكاترينا) ،والتي كانت تشعر بالغيرة من (شيماء) قبل أن تراها، فـ (فاليريا) لم تتوقف عن الحديث عنها طيلة الأيام الماضية..مما جعل (إيكاترينا) تصر على رؤية تلك الفتاة التي سلبت قلب (إيفان) ..وعندما رأتها اشتعلت الغيرة في قلبها أكثر..ما الذي جذب (إيفان) لتلك الفتاة التي لا يساوي جمالها ربع جمال (إيكاترينا) ..
اقتربت من (شيماء) و(إيفان) اللذين كانا يجلسان معا في الحديقة الخلفية يتحدثان..
- أهلا (إيفان) ..
التفت (إيفان) لتعانقه الفتاة على غير عادتها..رفع حاجبيه في دهشة ونظر إلى (فاليريا) فرفعت كتفيها بأنها لا تفهم شيئا..ودهشت (شيماء) أيضا والتي قالت (إيكاترينا) وهي تنظر إليها:
- ألم تكن (صوفيا) أجمل منها يا (إيفان) ؟
حل الصمت على الجميع وكأنما قد تجمد المشهد،لكن (شيماء) قالت في تساؤل:
- من هي (صوفيا) ؟
نظرت لها (إيكاترينا) بذهول..ثم التفتت إلى (فاليريا) التي سحبتها من ذراعها بعيدا وهي تعنفها..
- ما هذا الذي قلتِه يا غبية؟
ارتبكت (إيكاترينا) وقالت:
- لم تقولي لي أنها تعرف الروسية
- هذا ليس مبررا لما قلت..ويكفي أن (إيفان) يعرفها كي يفهم مقصدك من تلك الكلمات
وسحبتها إلى داخل البيت وهي تتمتم بكلمات غاضبة..
شعر (إيفان) بالغيظ من تلك الفتاة الحمقاء..لكنه قال محاولا تلطيف الجو:
- هل نسيت موعدنا اليوم؟ ..بدلي ثيابك كي نذهب
كانت (شيماء) تشعر ببعض الضيق والقلق مما قالته تلك الفتاة..من (صوفيا) هذه التي تقارنها بها؟ .. لكنها قررت أن تتحدث معه فيما بعد..
الجو يزداد برودة،والثلوج تتساقط كنُدَف القطن لتستقر على كتفيها وغطاء رأسها..وبحركة لا إرداية تعلقت في ذراعه وكأنها تطلب الدفء..التفت إليها فخفق قلبها وكادت أن تسحب ذراعها،غير أنه أطبق عليه ولم يفلته..
- (إيفان) ..
التفت إليها لتقول:
- من هي (صوفيا) التي ذكرتها صديقة (فاليريا) ؟
نظر إليها مليا ليجدها تبادله نظرات ملئى بالإصرار..فتنهد وجلسا على أقرب مقعد ثم قال:
- (صوفيا) كانت تجربة سابقة في حياتي
كانت (شيماء) تنظر إليه في عدم اقتناع ثم قالت:
- تحبها؟
كان المساء قد حل،وقل عدد المتنزهين حتى بدت الحديقة خالية إلا منهما..
استدار لها بكل جسده ونظر في عينيها لبعض الوقت ثم قال مستجمعا كل شجاعته:
- أنا لا أحب أحدا غيرك أنتِ..
تسارعت ضربات قلبها واضطربت،فوضعت يدها على صدرها وكأنما تحاول تهدئته..وتلاحقت أنفاسها وهي تشعر بتزايد برودة أطرافها..
- أنا لا أحب أحدا سواك يا (شيماء) ..لم أعد أرى امرأة غيرك..لقد ملكت قلبي وروحي وحياتي كلها..
نظر إلى عينيها المذهولتين ثم أردف:
- وددت لو أخبرتك بما يعتمل في صدري من قبل،لكني لم أستطع قبل أن أتأكد من مشاعرك..وقد تأكدت..لكن لساني ظل عاجزا عن البوح بحبي لك..وها أنا أخبرك الآن..أنا أحبك يا (شيماء) ..أحبك كما لم أحب أحدا من قبل..
أخذ نفسا عميقا وواصل وقد شعر أنه يركض في سباق طويل:
- أريدك أن تبقي بجاني دائما..لا أريد أن يفترق أحد منا عن الآخر..هل يمكنك أن تعديني بذلك؟ ..
حاولت (شيماء) استيعاب كل ما قال..كان الأمر صعبا..إنها تعرف أنه يحبها،لكن لحظة المصارحة كانت أقوى مما تخيلت..
- عديني يا (شيماء)
انتبهت وقالت بصوت مبحوح:
- بمَ؟
- بأن تبقي معي للأبد..
ثم تابع وهو يمسك بكفها:
- وأن تتزوجيني!
وقعت الكلمة على مسامعها كالصاعقة،لتفيق من غيبوبتها التي مكثت بها طويلا..
ما الذي فعلته بنفسك يا (شيماء) ؟ ..لماذا تشبثت بحبل مهترئ ظنا منك بأنه حبل النجاة؟ ..بالتأكيد كان سيطلب منك هذا الطلب عاجلا أم أجلا..وأنت لم تعدي العدة له من قبل..لهذا غصت في بحر الوهم طويلا حتى شارفت على الغرق..
التمعت الدموع في عينيها وسحبت كفها من يده وقامت من مكانها،ثم أولته ظهرها وجسدها يرتجف بشدة..
- هل أنت بخير؟ ..
قام (إيفان) من مكانه وأمسك بذراعها ليديرها إليه ويقول:
- (شيماء) ..
قاطعته قائلة:
- لا يمكنني
عقد حاجبيه دهشة وقال:
- لا يمكنك ماذا؟
- لا يمكنني أن أتزوجك
- لماذا؟
- لأن..لأن..
كان موقفا صعبا وبدأت الدموع تسيل من عينيها وهي تقول:
- لأنك غير مسلم
نظر إليها في غير فهم وقال:
- وما المشكلة في ذلك؟
- لا يمكنني أن أتزوج أحدا على غير ديني
شعر (إيفان) بانقباضة في قلبه..هل يمكن أن يخسرها؟ ..لا يمكن..
أمسك وجهها بكلتا يديه وقربه من وجهه وهو يقول:
- أنا أحبك..ولا يهمني أي قانون في هذا العالم..وأنت أيضا تحبينني..
هزت رأسها يمنة ويسرة فضغط بيديه على جانبي وجهها بقوة وألصق جبهته بجبهتها وهو يقول في إصرار:
- بل تحبينني..ويجب أن تعترفي بهذا
ابتعدت عنه وصاحت:
- أجل أحبك..وبجنون..لكن لا يمكنني تخطي هذا الحاجز
شهقت من البكاء وأغمضت عينيها لتتساقط دموعها فوق الثلوج..دموع تملؤها المرارة..
صاح فيها وهو يكاد يجن:
- لماذا؟
- قلت لك لأنك لست مسلما..أنا مسلمة ولا يمكنني الزواج من أحد يخالف ديني
- وهل دينك هو الذي يحثك على هذا؟ أم هو قانون البلد؟
- بل ديني الذي يقول هذا
- لكنك لست متدينة،فماذا سيضيرك إذن؟ ..أنا أعرف أن الحجاب أمر ديني لكنك لا ترتدينه،فلماذا تصعبين الأمر عليك وعليّ؟
كانت كلماته كالصفعة..
أنا لست متدينة..ما الذي سيضيرني؟ ..
أحست بغصة في حلقها وراح شريط حياتها يمر سريعا أمام عينيها لتدرك أنها كما قال..
- هذا الأمر ليس هينا..إنه مختلف
كان صوتها مختنقا..وقلبها يتمزق وهي تشعر أنها السبب فيما حدث لها..
أما (إيفان) فلم يكن يريد تصديق أذنيه..لقد طعنته بقسوة حتى كادت تزهق روحه..لم يكن يريد أن يصدق أنه لن يراها ثانية..لكن الحقيقة دائما صعبة..ومؤلمة..
* * *
ودعت (شيماء) أسرة (إيفان) ثم خرجت من البيت معه ليذهبا إلى محطة القطار..طيلة الطريق لم يتبادلا حرفا واحدا..ومرت ساعات القطار الأربع ثقيلة على عكس المرة الماضية..
كانت تسند رأسها إلى زجاج النافذة تحبس دمعها مرة وتطلق سراحه مرات..وهكذا حتى وصلا إلى المطار..
لم تجرؤ على النظر إليه،ولم يعانقها هذه المرة..لكنه أمسك بيدها قبل أن تغادر..فالتفتت إليه وقد احمرت عيناها من كثرة البكاء..
كان يريد أن يقول لها أن قلبه لن يتوقف عن حبها لكنه لم يجرؤ..لم يكن يريد أن يزيد الجرح ألما..
سحبت يدها من يده وغادرت وهي تشعر أن روحها خرجت منها بغير رجعة..
وعادت إلى مصر لتصاب بصدمة أخرى..
فقد أصاب الذعر أمها من منظرها..وسألتها عما بها لتخبرها (شيماء) بطلب (إيفان) ..
- وما المشكلة في ذلك؟
ظهر الذهول على وجه (شيماء) وقالت:
- ألم تعي المشكلة يا أمي؟ ..إنه غير مسلم
- لقد عرفت أباك في فرنسا،وعندما صرح لي بحبه وطلب مني الزواج لم أفكر في دينه..
وواصلت والصدمة بادية على وجه ابنتها:
- نحن في القرن الحادي والعشرين وهذه القوانين يجب أن يتغير
أصيبت (شيماء) بالدوار..فما سمعته لا يمكن أن يكون صحيحا..وهي لا تحتمل صدمة جديدة..
دخلت إلى غرفتها وراحت تفكر في كلام أمها..بالتأكيد هي أكثر شخص تخاف عليه في هذا العالم.. ولن تقول لها شيئا يضرها..لكن..
هبت (شيماء) معتدلة على فراشها وقد تذكرت شيئا..
" ليس كل ما يوافق عليه الأهل يكون صحيحا يا (شيماء) .. "
(حنان) كانت محقة..كانت محقة في كل كلمة قالتها..وها هو كلامها يتمثل أمامها واقعا ملموسا..
قفزت من فراشها واتصلت بـ (حنان) وهي تشعر بالندم لأنها صمت أذنيها عنها مرات ومرات من قبل..
" السلام عليكم..حمدا لله على سلامـ.. "
قاطعتها (شيماء) بسرعة قائلة:
- (حنان) ..سآتي إلى منزلك حالا
وأنهت المكالمة قبل أن تتلقى منها ردا..ثم ذهبت إليها..
كان الوقت قد قارب على منتصف الليل،لكنها لم تهتم..ولم تهتم لأسئلة أمها التي فزعت عندما وجدتها تندفع إلى الخارج..
فتحت (حنان) الباب ثم أدخلت (شيماء) إلى غرفتها..
- ما بك؟ لقد أفزعتني؟ هل حدث مكروه لك أو لوالدتك؟
هزت (شيماء) رأسها ولم تتمالك نفسها فانفجرت في بكاء مرير وارتمت في حضن صديقتها لتخبرها بكل ما حدث..راحت تتكلم وتتكلم دون أن تلتقط أنفاسها..كانت تريد أن تخرج ما يعتمل في صدرها قبل أن تصاب بالاختناق..
ربتت (حنان) على رأسها وهي تشعر بالألم لما حدث مع صديقتها..لكن (شيماء) اعتدلت فجأة ومسحت دموعها ثم قالت:
- (حنان) ..سأرتدي الحجاب!
* * *
مر عام كامل دون أن تعرف (شيماء) عن (إيفان) شيئا؛فهي لم تفتح بريدها الإلكتروني منذ عادت إلى مصر،كي لا تضعف وترسل أي شيء له فتتعذب أكثر،لأنها مهما فعلت لا يمكنها تغيير الواقع..
حاولت التعايش مع حياتها الجديدة..وكما حدث مع (حنان) لاقت (شيماء) من أمها تقريعا بسبب التغيير الذي طرأ عليها..وأحست بما كانت تحس به (حنان) عندما كانت توجه لها (شيماء) كلماتها اللاذعة..
تزوجت (حنان) من (عمر) وبعد زواجها بشهر أخبرت (شيماء) أن هناك من يريد التقدم إليها.. رفضت (شيماء) في البداية لكن (حنان) ألحت عليها كي تراه فقط..فوافقت على مضض..
وفور أن رأته قفزت إلى ذهنها صورة (إيفان) ..
كفي عن التفكير فيه يا (شيماء) ..حاولي أن تنسيه كما نسيك هو الآخر..
وغادر الرجل لتخبر (حنان) برفضها..
رغم كل شيء لم تزل تحبه..ولم تكن قادرة على رؤية رجل غيره..
أخبرتها (حنان) عن شخص آخر لكن (شيماء) رفضت بشدة هذه المرة..
وفي آخر الشهر كما هي عادة عمها الدكتور (محمود) ..جاء لزيارتها هي ووالدتها مع أسرته..
- سأذهب في رمضان القادم إلى العمرة إن شاء الله
كان وجه (محمود) ينطق بالبشر والسرور وهو يقول هذه العبارة..
قالت (شيماء) :
- مبروك يا عمي..
ثم أردفت بمرح:
- أتمنى أن أذهب أنا أيضا في يوم ما
- فكرة جيدة..
التفتت (شيماء) وأمها إلى (محمود) الذي قال:
- تعالي معنا..نحن لا نزال في البداية ولم نكمل بقية أوراقنا بعد
تبادلت (شيماء) وأمها النظرات ثم قالت:
- هل أنت محق فيما تقول؟
- ومنذ متى وأنا أمزح يا فتاة؟ ..
ثم وجه كلامه لأمها قائلا:
- وأنت أيضا يا (فريدة) ..سأخبرك بالأوراق المطلوبة لكي تأتي معنا
كادت (شيماء) أن تطير من السعادة..وبدأت بتجهيز أوراقها هي ووالدتها..وأخبرت (حنان) لتبارك لها وتقول:
- لو يسمح لنا الدكتور (محمود) بالذهاب معه لفعلنا
ضحكت (شيماء) وهي تشعر أن رحلة كهذه ستعيد لها الهدوء النفسي الذي افتقدته منذ مدة..وراحت تعد الأيام على موعد الذهاب..وفي منتصف رمضان كانت (شيماء) ووالدتها بصحبة عمها وأسرته في طريقهم إلى الأرض الحرام..
أحست بمشاعر غريبة عندما وطئت قدماها أرض الحرم..وعانقت الكعبة بعينيها لتذرف دمعا لا تدري أهو دمع فرح أم شوق أم ندم..لكنها كانت متأكدة أنها ستخرج من هذا المكان
وقد تغيرت..
كانت العمرة مرهقة بعض الشيء بسبب الزحام الشديد في هذا الوقت من السنة..فعادت إلى الفندق ونامت على الفور..وفي اليوم التالي وبعد صلاة العشاء ذهبت مع ابنة عمها إلى السوق لشراء بعض التذكارات قبل موعد القيام..
كانت تتفقد بعض زجاجات المسك عندما سمعت أحدهم يتحدث بعربية مكسرة مختلطة بالإنجليزية إلى أحد البائعين..
سقطت الزجاجة من يدها..ولثوان لم تر أمامها،وراح قلبها ينبض بأضعاف قوته ليصل صوته إلى أذنيها وعقلها يصمهما عن كل شيء..
التفتت إلى مصدر الصوت لتلتقي عيناها بآخر شيء كانت تتوقعه..اللون الرمادي المختلط بلون السماء..فسقطت على الأرض مغشيا عليها..
* * *
كانت تخشى أن يكون هذا حلما قد يوقظها أحدهم منه في أية لحظة..لكنها لم تكن تحلم..ها هو (إيفان) يجلس مع عمها ليرتب أمر زواجه منها..
وبعد أن عادت إلى مصر جاء إليها ليعقدا قرانهما ويرتبطا للأبد..
عرفت منه بعد ذلك أنه ظل يرسل لها على بريدها الإلكتروني ولم يتلق منها أي رد..لكنه لم يفقد الأمل..
- رفضك للزواج مني رغم حبكِ لي،جعلني أفكر..كنت أعرف أنك تحبينني كما أحبك تماما،لذا فما أبعدك عني هو شيء كبير..ورغم أنك لم تكوني متمسكة بدينك كثيرا إلا أنك رفضت كسر الحاجز الأخير
كانت تجلس بجواره في حجرة الجلوس ببيت والدتها،فقالت تستحثه على المواصلة:
- وبعد؟
- كنت غاضبا في البداية..لكن بعد أن هدأت بدأت رحلة بحثي عن السبب الذي تركتني من أجله
مدت يدها وراحت تعبث بلحيته الشقراء،ثم أمسكت بكفه وطبعت قبلة عليها وأراحت رأسها على صدره لتسمع دقات قلبه تخبرها في كل نبضة أنه يحبها..
وبعد أن أنهى أوراقها أرسل إليها لتعيش معه في روسيا..
بين الثلوج..
تمت بحمد الله