لم تفارق (حنان) صديقتها طيلة اليوم،فعندما علمت أنها استيقظت جاءت إليها على الفور..
- ألم يتصل (سامح) بك؟
- لا
قطبت (حنان) جبينها في ضيق وهي تقول:
- كيف لا يطمئن عليك وأنت بهذه الحال؟
صمتت (شيماء) قليلا وقد تذكرت كلمات (إيفان) في الليلة السابقة وقالت:
- (حنان) ..لقد رأيت كابوسا اليوم..وقد كان (سامح) فيه..
انتبهت الفتاة فقالت (شيماء) :
- رأيت أن (سامح) يغرق في البحر ليلا،فركضت إليه محاولة إنقاذه لكنه لم يستمع إلي،والغريب أنني شعرت وكأنه يريد أن يغرق بإرادته
سكتت (شيماء) فقالت صديقتها تستحثها على المواصلة:
- وبعد؟
ازدردت (شيماء) لعابها وقالت:
- وبعد..فقد تغير المشهد ووجدت نفسي أقف عند باب فيلا على البحر..لم أرها من قبل..وكنت أعلم أن (سامح) بالداخل..لكني لم أدخل رغم علمي أن هناك شيئا سيئا يحدث
قالت (حنان) مستفهمة:
- سيئا؟ كيف؟
- لا أدري..لكني كنت أعرف ذلك..
واستطردت قائلة بقلق:
- أنا قلقة على (سامح) يا (حنان)
هدأت (حنان) من روع صديقتها وعقلها لا يكف عن التفكير..وحتى في طريق عودتها مساء إلى منزلها كانت تتردد في ذهنها تلك الجملة الغريبة..
" والغريب أنني شعرت وكأنه يريد أن يغرق بإرادته.. "
هل يمكن أن يكون هذا حلما له تأويل؟ أم أنه أضغاث أحلام وخوف على (سامح) كما قالت لـ (شيماء) كي تهدأ؟ ..
حارت (حنان) في الأمر وفكرت أن تنسى الأمر..لكن القلق استولى عليها،فقررت أن تبحث عن تأويل لهذا الحلم المزعج..
* * *
في الفترة التي قضتها (شيماء) في البيت تعرفت هي و (إيفان) أكثر على بعضهما البعض..صحيح أنهما لم يتحدثا إلا بضع مرات،لكن المدة كانت كافية ليعرفا الخطوط العريضة في حياة كل منهما..
وبعد شهر كامل تحررت ساق (شيماء) من السجن الجبسي الذي كانت فيه،وبدأت جلسات العلاج الطبيعي،كما عادت إلى عملها مرة أخرى لكن بصحبة (حنان) يوميا..
وفي أحد الأيام وهما عائدتان من العمل ومتجهتان لعيادة العلاج الطبيعي،قالت (شيماء) :
- لا أدري لماذا أشعر أن (سامح) لم يعد كالسابق
- كيف؟
هزت (شيماء) كتفيها وقالت:
- أشعر وكأن بيننا سور عال،رغم أننا لا نزال نخرج معا،وكلامه معي لم يتغير،لكن الأسلوب به شيء ما
- ولم لا تحاولين معرفة السبب؟
زفرت (شيماء) وقالت:
- سأحاول
ومضت الفتاتان في طريقهما،بينما (حنان) تشعر بالشفقة على صديقتها،فقد كانت تتخيل أن (سامح) سيعرض عليها أن يوصلها إلى العيادة أو يعيدها منها،لكنه لم يفعل..
لم تعد (شيماء) قادرة على السفر في تلك الفترة،أو مزاولة العمل الميداني،وكان هذا يبعدها قليلا عن (سامح) الذي بدا وكأنه يتحين الفرص ليسافر إلى أي مكان..وكانت (شيماء) تلتمس له الأعذار أمام (حنان) دائما رغم أنها في قرارة نفسها لم تكن مقتنعة بما تقول..
ومع حلول الشتاء تعافت (شيماء) تقريبا،وعادت إلى العمل الميداني لكن السفر ظل مؤجلا حتى تنتهي من برنامج العلاج الطبيعي نهائيا..
ومع تزايد برودة الجو تزايدت برودة العلاقة بينها وبين (سامح) ..وعندما أخبرت والدتها بذلك قالت لها أن الزواج سيحل كل تلك المشكلات،فربما أبعدتهما مشكلة كسر ساقها فترة من الزمن..
وفي أحد زيارات (سامح) لخطيبته فاجأها هي وأمها بأنه يريد الزواج قريبا..
- ألم نتفق من قبل على أن يكون الزواج في الصيف؟
قال (سامح) بحماس:
- لن نقدمه كثيرا..فالزفاف سيكون في مارس عوضا عن يوليو
- حسنا سنرى ذلك يا بني
في المساء اتصلت (فريدة) بعم (شيماء) لتخبره بالتطورات..وبعد نقاش دام لأكثر من ربع ساعة اتفقا على أن يأتي العم ليقابل (سامح) لترتيب كل شيء..
وقد كان..
اجتمعت العائلتان بعد أسبوع واتفقا على أن يكون العرس في آخر مارس..ولم تكن (شيماء) تصدق ما تسمع..إذن فقد كان شعورها ببعد (سامح) عنها لم يكن حقيقيا،والدليل أنه متلهف للزواج منها..
وفور أن غادر الجميع اتصلت بـ (حنان) لتخبرها بكل شيء..
" هل زالت مخاوفك تجاهه يا (شيماء) ؟ "
- يا (حنان) أقول لك أنه قدم موعد الزواج،وقد كان مصرا على ذلك،واستطاع إقناع عمي بالأمر
ضحكت (حنان) وقالت:
" طالما أن الدكتور (محمود) وافق فلا مشكلة.. "
لكنها عادت للجدية وهي تقول:
" (شيماء) ..انتبهي في هذه الفترة جيدا ولا تتسرعي في أي شيء "
انتهت المكالمة و (شيماء) تعد الأيام والساعات لأجل الحفل..وبعد يومين ذهبت مع والدتها و (حنان) لاختيار فستان الزفاف..
- لماذا لم يأت (سامح) معك لاختياره؟
ردت (شيماء) بعد أن نزلت من السيارة أمام أحد المحال:
- لقد طلب مني أن يأتي لكني فضلت أن يكون الفستان مفاجأة له
هزت (حنان) رأسها ضاحكة ودخلوا إلى المحل..
كانت (فريدة) تبحث عن أغلى ثوب في المكان،لكن ما كان يعجبها لم يعجب (شيماء) ..
- أليس هذا الفستان مكشوفا بشكل كبير؟
كانت هذه (حنان) تهمس في أذن صديقتها التي التفتت إليها وقالت هامسة هي الأخرى:
- لا أريد أن أكون معقدة مثلك يا صديقتي العزيزة..
ثم واصلت مازحة:
- لا ينقصني إلا أن تطلبي مني لبس الحجاب أيضا
ضحكت (حنان) لجملة صديقتها وقالت بجدية:
- أنا لا أمزح..الفستان مكشوف بشكل مبالغ فيه..ذلك عرس يا (شيماء) وليس عرضا لملكات الجمال..
ثم واصلت:
- وما المانع أن ترتدي الحجاب أيضا؟ ستكونين أجمل بالطبع،وقد تكون هذه هي البداية
مطت (شيماء) شفتيها وقالت ضاحكة:
- احمدي الله أننا لا نزال صديقتين بعد ارتدائك الحجاب
هزت (حنان) رأسها بأسف،وتابعت البحث عن شيء مناسب لصديقتها المجنونة..لكن النسوة الثلاث خرجن من المحل دون شراء شيء،فما كان يعجب الأم لا يعجب ابنتها والعكس صحيح..
ومضى اليوم دون شراء شيء،وقررن الذهاب في اليوم التالي لبدء رحلة بحث جديدة..ومضى هذا اليوم أيضا كسابقه دون نتيجة تذكر..
- سامحك الله يا (شيماء) ..لم أمش بهذه الطريقة المميتة في المتحف المصري نفسه
كانت (حنان) تفرك ساقيها وهي في غرفة (شيماء) ،بينما الأخيرة تضحك وتقول:
- غدا نرى ما الذي ستفعلينه بي عند زواجك
- سأنتقم منك بالتأكيد على ما فعلته بي
ضحكت الفتاتان معا ثم قالت (شيماء) وكأنها تذكرت شيئا:
- هناك بعض الملابس التي لم أبتعها بعد
ونظرت إلى صديقتها بطريقة طفولية وكأنما تستعطفها،فقالت (حنان) مازحة:
- اذهبي وحدك فقد اكتفيت
* * *
أخيرا ابتاعت (شيماء) فستان الزفاف،والذي لم يعجب (حنان) لكونه يكشف أكثر مما يستر،لكنها لم ترد إفساد فرحة صديقتها فلم تعلق كثيرا..
وذات مساء وبينما (شيماء) تتحدث مع (إيفان) ،أخبرته أن زفافها بعد شهر ونصف من الآن،فبارك لها بابتسامة صفراء،وبعد قليل اعتذر لها لانشغاله..
في بداية مارس عرض بعض الأصدقاء الذهاب إلى الغردقة لقضاء يومين في هذا الجو المعتدل..
- لا تأت معنا يا (سامح) لأنك ستذهب إلى هناك بعد شهر من الآن
كان هذا (حسام) فقال (سامح) :
- وما شأنك أيها سخيف..
ثم تابع بثقة:
- ومن قال لك أنني سأذهب إلى الغردقة في شهر العسل؟
قالت (نهى) بسرعة:
- إلى أين إذن؟
ابتسم بنفس الثقة وقال:
- لا شأن لكم..
ثم أمسك بيد (شيماء) وقال:
- هذا سر بيننا
وضج المقهى بأصوات ضحكاتهم..
في طريق العودة للمنزل قالت (شيماء) :
- (حنان) ..لمَ لمْ تعودي تجلسي معنا في فترة الاستراحة؟
- لقد وجدت أن هذا لا يصح..أعني الاجتماع بتلك الصورة والضحك العالي الملفت للأنظار
رفعت (شيماء) أحد حاجبيها وعينيها على الطريق وقالت:
- ومنذ متى وأنت تفكرين بهذه الطريقة؟ ..
ثم أردفت:
- أخشى أن يكون هذا الذي تغطين به رأسك قد أثر على طريقة تفكيرك
- لقد أثر بالتأكيد يا (شيماء) ..فصرت أرى أشياء لم أكن أراها من قبل
- هذا غريب..شخصيتك العنيدة ليس من السهل إقناعها بما لا تريد..لكن من ذاك الذي استطاع التأثير عليك؟
ضحكت (حنان) وقالت:
- أنت قلتِها بنفسك..ليس من السهل إقناعي بما لا أريد،وأنا أردت الحجاب فليس هناك من يمكن أن يمنعني
- حتى أمك؟
زفرت (حنان) فقد تذكرت الحرب الضروس والتي لا تزال مستمرة بينها وبين أمها وأبيها بسبب قرار ارتدائها الحجاب..فقالت وهي تلكز صديقتها في ذراعها:
- انظري أمامك يا ثرثارة
* * *
- لن تأتي معنا إلى الغردقة أيضا؟
كانت (شيماء) تكاد تجن من كلام صديقتها..
- بالطبع لن آتي..فلقد أخبرتك من قبل أن التجمعات بتلك الطريقة لم تعد تعجبني،كما أنني لن أتمكن من نزول البحر بهذا الزي
- وما الذي أجبرك على لبسه إذن إن كان سيغير حياتك بهذه الطريقة؟
زفرت (حنان) في ضيق وقالت:
- (شيماء) ..كان من الممكن أن أعتذر لأي سبب وكنت ستتفهمين الأمر،لكنك صديقتي التي لا أحب أن أخفي عنها شيئا؛ولهذا أخبرتك بسبب عدم ذهابي
عقدت (شيماء) ذراعيها أمام صدرها وقالت:
- وماذا ستقولين لأصدقائنا؟
- سأقول أن لدي ظروف تمنعني..وفيما بعد سيعتادون على ذلك
كانت (شيماء) تعرف أن الجدال لن يجدي مع صديقتها،لهذا لم تتحدث معها أكثر..
وذهبت (شيماء) إلى الغردقة دون صديقتها ربما لأول مرة..لكنها فور أن وصلت إلى هناك نسيت كل شيء وراحت تمرح وتلعب مع أصدقائها..
وبعد الظهيرة ذهبوا لتناول الغداء في أحد المطاعم،واتخذ (سامح) و (شيماء) طاولة منفردة..لكن قبل عودة النادل بالطعام ذهب (سامح) إلى دورة المياه،وفور أن ذهب رن هاتفه وقد نسيه على الطاولة، فأمسكته (شيماء) لترى من المتصل لتفاجأ باسم لم تره من قبل..
داليا!!..
يتبع ...........